عرض المقال
«وجدة»
2013-10-14 الأثنين
عندما تتحدث امرأة سعودية فنياً عن حال تاء التأنيث المقهورة فى بلدها وترسم بريشة الكاميرا جدارية درامية عن كم التناقض والنفاق الاجتماعى الذى يتعامل به مجتمعها مع من يصفهن بالحريم وهو مصطلح منحوت ومشتق من الحرام، وعندما يتم تصوير ورصد كل هذه التفاصيل الصادمة من داخل المملكة وسط ظروف خانقة من تضييق على طاقم تصوير واشتراط عدم ظهور المخرجة خارج عربة التصوير التى تحولت إلى سجن اختيارى تتعامل وهى محبوسة فيه مع طاقم التصوير والممثلين فى الشارع من خلال التليفون ورفض التصوير فى بلد مجاور، عندما تشاهد فيلماً وأنت تعرف هذه الكواليس ومدرك جيداً مدى تأثيرها على حرفية وإتقان وصورة العمل النهائية فلابد أن تحتشد لأنك أمام حدث فنى مهم، فيلم «وجدة» والذى تم تسويقه كأول فيلم سينمائى سعودى وهو فى اعتقادى حدث ثقافى مهم أكثر منه فيلماً سينمائياً عابراً، فالفيلم لا يكرس ولا يبشر بصناعة سينما سعودية لأنه ببساطة لا بد أن يتغير المزاج الثقافى السعودى أولاً حتى تنمو صناعة سينما حقيقية، فيكفى أن نعرف أن السعودية ليست بها دار عرض سينمائى، فما بالك بصناعة سينما، لذلك لا بد أن نتعامل مع الفيلم على أنه حالة، حجر فى بحيرة راكدة من القيم الزائفة المستقرة فى الأعماق والتلافيف والثنايا، «وجدة» طفلة سعودية مختلفة بداية من تمردها على غطاء الرأس الأسود وارتدائها للكوتشى الذى يحررها من خنقة الحذاء الجلد التقليدى ولكنه لم يحررها من نظرات زميلاتها اللائمة وتقريع الأستاذة «حصة» مديرة المدرسة، بلغ التمرد أقصاه وتجاوز السقف عندما حلمت «وجدة» بامتلاك دراجة فى مجتمع المرأة فيه مشلولة كسيحة أقصى سقف أحلامها أن تتجول فى الأسواق وتختلس إطلالة من خلف نقابها السميك الغليظ، خططت «وجدة» لحلم الدراجة برغم أن الأم حذرتها أن من تركب الدراجة لن تحمل أو تلد، تسهر «وجدة» فى صناعة أساور الخيوط بألوان أندية كرة القدم لتبيعها فى المدرسة التى تشبه السجن بأسوارها الخانقة المرتفعة، تحتمل «وجدة» خنقة البيت وخنقة المدرسة وخنقة الحوارى الضيقة كى تحقق حلم حريتها وحتى تسابق طفل الجيران الذى يحبها ويعلمها قيادة الدراجة، تفشل محاولات التوفير وحيله التى وصلت لأن تعمل «وجدة» مرسالاً بين عاشقين مقابل عدة ريالات تضيفها إلى المحصول ولكن المحصول ضنين كما هو الزمن بخيل عليها حاد معها كهجير شمس بلدها الباتر الحاد، تتاح الفرصة حين يعلن عن مسابقة لحفظ القرآن وجائزتها تتيح لها شراء الدراجة، تجتهد «وجدة» وتجهد حتى تفوز وعندما تسألها الناظرة فى الحفل عن ماذا ستفعل بقيمة الجائزة فترد بعفوية وبساطة عن حلمها الدراجة فتُصدم الناظرة التى تدعى الفضيلة والصرامة وهى التى تدور حولها اشاعات عن علاقة سرية خاصة، تُصدم وتقرر أن قيمة الجائزة ستتبرع بها «وجدة» للقضية الفلسطينية!، تحطم حلمها البسيط على صخرة التجارة بالقضية الفلسطينية وعلى جثة أحلام وأمانى طفلة بريئة، الأم المحبطة بعد أن ظلت أسيرة صورة الجارية التى كل همها أن تتزين وتتجمل انتظاراً للزوج الغائب الذى يكافئها بالزواح عليها لأنها لم تضم إلى شجرة العائلة المبجلة الذكر!، عندما أيقنت الأم أن «وجدة» هى مدخراتها الوحيدة فى الحياة ضحت بثمن الفستان الأحمر الذى كانت تجهزه لإغراء شهريار واشترت به الدراجة لتنطلق بها «وجدة» فى براح الحرية، قصة بسيطة وسر تألقها فى بساطتها، تفاصيل عالم المرأة السرى وكواليسه الغامضة من صوبة الكبت والقهر والتسليع، أى تربيتها على أنها سلعة مركونة على رف الانتظار حتى يأتى الشارى بشروطه لينفض عنها تراب الانتظار، هى سلعة نجسة تمسك المصحف بورقة الكلينيكس ولا تتركه مفتوحاً حتى لا يدخل الشيطان ولا تركب الدراجة حتى لا تفقد الأنوثة وهى أهم شروط ارتفاع سعر السلعة، هى شيطان متحرك يجب إخفاؤه عن العيون بجدران وأغطية وكاتم صوت، فيلم يستحق المشاهدة عن كائن يستحق الرثاء فى مجتمع يستحق التغيير.